أضف تعليق

كيف هزمت شبكة الإنترنت سيمور هيرش

Anno بقلم: أنو بونيك– 2 مايو 2014 الدكتور أنو بونيك، زميل في مركز للبحوث التطبيقية، في الابتكار الأمني، في جامعة ليفربول هوب. نشر مقالاته في الجزيرة، EUobserver، وThe National Interest، وغيرها. يكتب تدويناته بانتظام في http://www.eurabist.com، ويمكن متابعته على تويتر: @eurabist.

_________________________________________________________

منهجيات التكنولوجيات الجديدة والمصادر المفتوحة تجعل أعمال الصحفيين المخضرمين والمتميزين عرضة للتقويض من قبل محللي غرف النوم.

_________________________________________________________

Seymour

صورة مأخوذة من مدوّنة براون موسيس

أعاد سيمور هيرش، المراسل الاستقصائي الحائز على جائزة بوليتزر، فتح باب النقاش حول من يقف وراء الهجوم بالأسلحة الكيميائية في سورية. يقول هيرش إن تركيا زودت المتمردين بهذه الأسلحة الفتاكة في إطار عملية “راية سوداء مزيفة” مخادعة، تهدف إلى خلق شرعية للتدخل العسكري. للوهلة الأولى، يبدو ذلك وكأنه استقصاء صحفي مثير أجراه واحد من رموز الصحافة الحرة. أمّا إذا أمعنا النظر، فإننا سنكشف النقاب عن أعمال أحد مراسلي القرن العشرين ممّن باتت منهجيّاته قديمة وبائتة، وربما غدت غير جديرة بالثقة. تستند رواية هيرش على مصدر مجهول واحد، يشاع أنّه “ف. مايكل معلوف”، الذي كان في السابق أحد موظفي إدارة جورج بوش في وزارة الدفاع. على الجانب الآخر من النقاش نجد أمثال إليوت هيغنز، الذي يدير مدونة براون موسيس. لا يمتلك هيغنز مؤهلات في الصحافة أو السياسة الخارجية، ولم يسبق له أن زار سوريّة. لكنه يفهم الخصائص المميزة لشبكة الإنترنت، ويحوّلها إلى ميزة استراتيجية لجمع المعلومات، وعلى هذا النحو، فهو قادر على النجاح في تحدي أستاذ الصحافة الاستقصائية الكبير. من خلال الاستفادة بذكاء من السمة الشبكية التي يتصف بها تويتر، وعن طريق تجميع عدد هائل من الصور التي ظهرت عبر يوتيوب وفيسبوك عن الصراع المميت، استطاع هيغنز توثيق ديناميات الصراع، في تفاصيلها. واستطاعت هذه المنهجية أن تحوّل مدوّنته إلى مصدر موثوق للمعلومات، تشير إليه وسائل الإعلام التقليدية مثل بي بي سي، رويترز، وشبكة سي إن إن. تجسّد استقصاءات هيغنز سمتين مميزتين من سمات عصر المعلومات: تجميع المعلومات الاستخبارية من “المصادر المفتوحة”، والحلول الشبكية غير المألوفة؛ والتي تمثّل بدورها تطوّراً عمد هيرش إلى تجاهلها في استقصاءاته، رغم أنّها تغيّر جذرياً ميادين الاستخبارات والصحافة. لطالما اعتمد المحلّلون الاستخباريون والصحفيون اعتماداً كبيراً على حفنة من المصادر لتكوين القصص الأخبارية. وكان التحقق من صدقيّة المصدر، والحفاظ على سريّة المصادر، جزءاً من أفضل الممارسات في كلا المجالين. لكن، ومع انبثاق العصر الرقمي، تغير هذا الأساس تغيّراً جذرياً. فوسائل الإعلام الاجتماعي حوّلت الحياة الاجتماعية، والعلاقات، والسلوكيات، والأفكار، والمواقع، والشبكات، إلى بيانات؛ وباتت كمية هائلة من البيانات العشوائية متاحة فجأة لمن يحصدها. معظم هذه البيانات هي مصادر مفتوحة، متاحة لوصولالأفراد إليها، ومنهم “براون موسيس”. في أعقاب هجوم 21 أغسطس من العام الماضي على الغوطة، باشر المدون المقيم في مدينة ليستر البريطانية بتحليل مقاطع الفيديو المنشورة على يوتيوب والمعلومات المنشورة على الشبكات الاجتماعية الأخرى. كانت الكثير من البيانات منشورةً باللغة العربية، وهي لغة لا يفهمها هيغنز، وبالتالي اضطر إلى الاعتماد على ترجمة غوغل ودعم متابعيه. استغرق الأمر عدة أشهر حتى أعاد هيغنز تركيب الأحداث، واكتشاف أنّ ذلك النوع من الصواريخ (“بركان”) الذي استخدم في الهجوم، كان قد تم استخدامه من قبل بالفعل، بل وأنّ قوّات الجيش العربي السوري وقوات الدفاع الوطني السوري تمتلك في ترسانتها هذا النوع من الأسلحة تحديداً. وعلاوة على ذلك، فقد كشف عمله النقاب عن كيفيّة إطلاق الصواريخ من المناطق التي يسيطر عليها النظام. في المقابل، اختار سيمور هيرش أن يتجاهل هذه المعلومات المتاحة للعموم والتي كانت تناقض حجته، واعتمد بدلاً من ذلك على مصدر واحد فقط. لقد أثبت منهجه بالتأكيد فائدته خلال الحرب الباردة، كما يتضح من عمله في الكشف عن مذبحة “ماي لاي”، مثلاً. لقد جعلت “الشبكة العالمية” من أعمال أحد الصحفيين الأكثر شهرة في العالم أعمالاً عفا عليها الزمن، بل ولا يمكن الاعتماد عليها بتاتاً. وأتاحت لأحد شطّار وسائل الإعلام الاجتماعي النكرات، من إحدى المدن الإنجليزية متوسطة الحجم، يمتلك شبكة علاقات جيّدة على الإنترنت، أن يهزم الأستاذ الكبير في ملعبه. تعدّ مقالة هيرش إضافة مرحب بها بالنسبة لأولئك الذين يسعون لكشف من يقف وراء الهجوم الذي أسفر عن مقتل أكثر من 1000 مدني، وتسبّبَ بالتهديد بالتدخل العسكري الأمريكي في سوريّة- حتى ولو كانت هذه المقالة هي فقط لإعادة سوريّة إلى جدول الأعمال. ولكنها علاوة على ذلك، تشير إلى تغيير جذري طرأ على مجتمع الاستخبارات ووسائل الإعلام بأن الزمن قد تغير وأن المنهجيّات المبتكرة، المعتمدة على الشبكات، والمصادر المفتوحة، باتت حيوية لتجميع معلومات موثوقة، وتحليلها.   ترجمة: ماهر الجنيدي. لقراءة النص الأصل انقر هنا.

يرجى تسجيل تعليقك..