أضف تعليق

دمي ودموعي وابتسامتي

تخيلوا أن يكون اسم الفيلم إياه المقتبس عن الرواية إياها: “الدم والدموع والابتسامة خاصتي”.

ابتلتنا الترجمة الإلكترونية في تسعينات القرن الماضي، أو الترجمة بمساعدة الكمبيوتر، التي لا تعتمد الذكاء الاصطناعي في آلياتها، بعبارات ثقيلة صادمة، جرّاء ضعف موارد المعالجات حيناً، وقصور لغات البرمجة حيناً آخر، وكسل المبرمجين أحياناً.


من هذه العبارات ما يضفي على النص شيئاً من الفكاهة المسلية.

تؤرّقني كلمات مثل: “خاصتي” و”خاصتك” و”خاصته” و”خاصتها”.. وما إلى ذلك.

أعددت فنجان القهوة “خاصتي” واتصلت برقم الهاتف “خاصته” لكي نحدد موعداً للذهاب سوية إلى نادي الرياضة “خاصتنا”..

تحاول هذه الكلمات الغريبة أن تكون بديلاً فصيحاً لضمائر الملكية في اللغة العربية، وهي كما تعلمون ضمائر الجرّ المتصلة الثلاثة المخصصة للمفرد: (ياء المتكلم، كاف المخاطب، هاء الغائب)، وما شابهها من ضمائر للمثنى والجمع.

الحق يقال إن آليات الترجمة اليوم تحسنت وتطورت وباتت ذكية تعتمد خوارزميات أكثر تعقيداً وحنكةً وتفنّناً في معالجة النصوص، لكن بالمقابل تسللت هذه الكلمات إلى لغة جيل من الشباب أسهمت الترجمة الآلية في تكوين ثقافتهم ومهاراتهم اللغوية فباتوا يستخدمونها حتى في كتاباتهم، يحسبونها طريقة فصحى في التعبير، لا خللاً ركيكاً فاضحاً.

لست متزمتاً حيال ابتكار صياغات وأساليب تعبير غير معهودة، بل وانقلابية، لكنْ على أن لا تكون ركيكة..

طيب، لماذا لجأت الترجمة الآلية غير الذكية إلى اختلاق كلمة “خاصتي”؟

ببساطة لأنها كانت تحاول أن تتذاكى في ترجمة كلمات ليست في غاية البساطة.

عبارة My pen بسيطة جداً، ومن الطبيعي لمحركات الترجمة الآلية أن تترجمها قلمي.

لكن ماذا عن My pencil؟ هنا يتوقف المبرمج أمام احتمالي ترجمتها إلى: قلم رصاصي، أو قلمي الرصاص.

تتعقد القصة مع My red pencil.. قلم رصاصي الأحمر، قلمي الرصاص الأحمر، أو قلمي الأحمر الرصاص..

وثمة عبارات يزداد فيها التعقيد.. تخيلوا صبيّة تتحدث عن قلم أحمر شفاهها وتقول: My red lipstick. هل ضمير الملكية يعود إلى قلم الصبية؟ أم إلى شفاهها الريانة؟ أم إلى حمرة شفتيها المكتنزتين؟

لذا، ابتدع المبرمج البشري كلمة “خاصة” لكي يرتاح من وجع الرأس.. ويترك للمدقق اللغوي مهمة التصحيح والتنقيح: قلم الرصاص الأحمر خاصتي، قلم أحمر الشفاه خاصتها.. وكفى الله المؤمنين شر ضمائر ملكيتنا العربية.

إذن، ليش نعتمدها بمقالاتنا وهي بهذا القدر من الضعف؟

اللغة العربية، مثل معظم اللغات، ديناميكية وتثق كثيراً بمستوى ذكاء القارئ.. عبارة “طبيب أسناني” بسيطة ولن يفهم منها أحد أن الطبيب ليس له عمل سوى أسنانك. يمكنك أيضاً أن تقول “طبيبتي لأمراض الأذن والأنف والحنجرة”، فلست مضطراً لأن تقول “طبيبة أذني وأنفي وحنجرتي”!

يرجى تسجيل تعليقك..